after Header Mobile

after Header Mobile

السهر الدائم …أضرار وأخطار

جديد الصحراء :



من الآداب الإسلامية النوم في وقت مبكِّر، والاستيقاظ في وقت مُبكِّر، ففي الْتزام ذلك مُسايرة لسُنَّة الله الذي جعل الليل سكنًا والنهار مَعاشًا؛ أي مجالاً للعيش والضرب في الأرض والسعْي في طلب الرزق والمصالح.

والأصل أن الليل للراحة والنوم، وأن النهار للسعي والحركة، وهي الفطرة التي فطر الله تعالى عليها الأحياء، ومخالفة هذا الأصل منهي عنها في الجملة إلا لغرض صحيح.

فالسهر مخالفة للسنة الإلهية قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} (الفرقان:47) ويقول – سبحانه وتعالى -: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} (غافر: 61) فالله – عز وجل – جعل الليل سكنًا ولباسًا يغشى العالم فتسكن فيه الحركات، وتأوي الناس إلى بيوتها، والطير إلى أوكارها، وتستجم فيه النفوس وتستريح من كدِّ السعي والتعب، حتى إذا أخذت منه النفوس راحتها وسباتها وتطلعت إلى معايشها وتصرفها، جاء فالق الإصباح – سبحانه وتعالى – بالنهار؛ فانتشر الناس وتصرفوا في معاشهم ومصالحهم وخرجت الطيور من أوكارها بحثا عن أرزاقها.


ومن سهر الطاعة: السهر في المرابطة وحراسة ثغور المسلمين؛ لئلا يقتحمها عدو، كسهر رجال حرس الحدود ورجال الشرطة وأطباء الطوارئ وأشباههم مما يقتضي عملهم السهر في مصالح المسلمين، يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” رواه الترمذي.

ومن سهر الطاعة: السهر على مصالح المسلمين، وفيه حديث عُمَرَ ابْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُرُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي الأَمْرِ مِنْ أَمْرِ المُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُمَا» رواه الترمذي. وجاء عن عبد الرحمن بن عوف أنه لما وكل بالأمر بعد طعن عمر رضي الله عنه سهر ليالي يعمل ويستشير حتى انعقدت البيعة لعثمان رضي الله عنه.

وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لم يكن له وقت ينام فيه فكان ينعس وهو جالس فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا تنام؟، فقال: كيف أنام؟ إن نمت بالنهار ضيّعت حقوق الناس وإن نمت بالليل ضيّعت حظي من الله .

وقيل لعمر بن عبد العزيز: لم لا تنام، قال: ‌إن ‌نمت ‌بالليل أضعت نفسي وإن نمت بالنهار أضعت الرعية

فهذان النوعان من السهر من أعظم الطاعات، وأجل القربات، إذا حسنت النية فيهما؛ للمصلحة الراجحة فيهما؛ ولأن نفعهما يعم المسلمين.

ومن السهر المستحب: السهر لإكرام الضيف، ومؤانسة الأهل، وبوب عليه البخاري فقال: بَاب السَّمَرِ مع الضَّيْفِ وَالْأَهْلِ، وساق تحته حديثا طويلا في سهر أبي بكر رضي الله عنه لإطعام ضيوفه، وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سمر مع بعض الوفود التي زارته، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سمر ذات ليلة مع زوجه ميمونة رضي الله عنها ثم رقد، ثم قام آخر الليل يتهجد.

ولما كان إيناس الأهل من حسن المعاشرة، وكان إكرام الضيف من مكارم الأخلاق؛ كان ما ترتب عليه من السهر مندوبا إليه بشرط ألا يؤدي إلى تضييع فريضة، وألا يكون السهر له عادة.

ومن السهر المشروع السهر لطلب العلم ومذاكرته؛ فقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام حدث أصحابه ووعظهم بعد العشاء الآخرة، وبوب على ذلك البخاري فقال: بَاب السَّمَرِ في الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ. وساق تحته حديثين يدلان على جواز السمر للحديث والموعظة، قال ابن رجب رحمه الله تعالى: ومقصود البخاري بهذين الحديثين: الاستدلال على جواز الموعظة وذكر العلم بعد العشاء، وأنه ليس من السمر المنهي عنه. ونص الإمام أحمد على أنه لا يكره السمر في العلم.

وقد سمر عمر مع أبي موسى في مذاكرة الفقه فقال أبو موسى الصلاة – يعني: صلاة الليل – فقال عمر: إنَّا في صلاة. فجعل رضي الله عنه طلب العلم مثل الصلاة.

والسهر في طلب العلم مشروط بأن لا يؤدي إلى تضييع فريضة.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد