after Header Mobile

after Header Mobile

الحكم الذاتي… أطويل طريقنا أم يطول؟ بقلم : الدكتور يوسف زركان

جديد الصحراء :

 

 

 

وأخيرًا تجسد الحلم المغربي، وأقرت قوى العالم بسيادته على صحرائه، باعترافات الدول التي تأتي نصراً هنا، وصدمة لم يبتلعها الخصوم بعد، لتغطي على شعارات القتال والحروب، التي لن تنتج إلا مآسي أخرى كما فعلت في سنوات الحرب التي خاضها المغرب وجبهة البوليساريو بين عامي 1975 و1991.

 

جبهة البوليساريو التي ظنت أنها بتعليق اتفاق وقف النار، ستلوي ذراع المغرب، فكان تصرف المملكة شجرةً تخفي غابةً من الحكمة السياسية، والعمل الدبلوماسي الذي فاجأ الجميع.

 

في البداية جاء القرار رقم “2548” الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية، ليؤكد أن الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، خطة “جادة وذات مصداقية وواقعية وتمثل مقاربة محتملة واحدة لتلبية تطلعات الشعب في الصحراء الغربية لإدارة شؤونهم الخاصة بسلام وكرامة”.

 

وقبله افتعلت أزمة إغلاق معبر الكركرات، والتي كان من وراءها أعداء المملكة التارخيين، بعد ثبوت أهمية المعبر في التجارة الدولية؛ السحر الذي انقلب على الساحر، والسكين الذي ذبح طموح الجارة الشرقية، الجزائر؛ في خلق معبر بري جديد للتجارة الدولية وكسر شوكة المملكة في إفريقيا.

 

إن الاعتراف الإسباني وقبله إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المدوي في العالم، جاء ليقطع الشك باليقين، ويوجه عقارب ساعتنا، فقد آن أوان تنزيل الحكم الذاتي، حيث قطعت النخب السياسية المحلية أشواطاً في التدبير المحلي، بشرعية سياسية مبنية على مشروعية إلتفاف الساكنة عليها بجميع مكوناتها القبلية.

 

هذه الاعترافات، والتي ستكون لا محالة؛ إحدى أهم نقط قوة المملكة في القادم من الأيام، حيث جاءت لتكون مفككةً لكل عويصات النزاع، وتأسس لحقبة جديدة في الصراع المفتعل، فهو نقطة قوة المغرب في أي مفاوضات قادمة، وهو دعم قوي للحل المغربي المتمثل في الحكم الذاتي.

 

كما يفرض على حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش؛ الإسراع في إخراج هذا الحل إلى الوجود، من خلال وضع خارطة طريق نحو تطبيقه في أقرب وقت، فهو لا يستلزم من الحكومة سوى اجرأة مضامين دستور المملكة، اللهم إذا كانت ستختار وضع رأسها في الرمال كالعادة، والعمل بقاعدة “كم من حاجة قضيناها بتركها”، وبالتالي ستكون معرقلةً أكثر منه مساعدةً لتطور المملكة، خصوصًا أن حكومة العدالة والتنمية التي سبقتها، في نسختي العثماني وبنكيران؛ ضيعتا الكثير من الفرص، أهمها التنزيل الحقيقي للجهوية المتقدمة منذ 2016، وهو الأمر الذي بقي مبهمًا لنا كساكنة الإقليم.

 

إن جميع الظروف مناسبة لتنزيل هذا المشروع، خصوصا مع تواجد دستور مرن، وخطب ملكية أكدت على ضرورة الإسراع في تنزيل للجهوية، وخصوصا المتقدمة منها بالجهات الصحراوية.

 

إن تنزيل الحكم الذاتي اليوم، هو بمثابة وضع نقطة نهاية لهذا المشكل الذي عمر أكثر من خمس عقود، واستنزف الكثير والكثير من مدخرات المملكة، وعرقل فرص الإقلاع الحقيقية للمغرب.
وهنا نود أن نقول أن جميع الظروف تسمح اليوم بتنزيله، وعدم انتظار الآخر الذي قرر مسبقا عدم رضاه، ومادامت المملكة تعي جيدا أن غالبية الصحراويين تتواجد بالأقاليم المسترجعة لحاضرة الوطن، وليست شرق الحزام الأمني، بالأراضي الجزائرية، وتعي كذلك تواجد رجال وطنيين خبروا الكثير حول الصراع وساعدوا ودافعوا بالغالي والنفيس من أجل وحدة المملكة ومغربية الصحراء، فإنها تعي كذلك ضرورة الاسراع في تنزيله.

 

فنجاح التجربة التنموية بالجهات الجنوبية وخصوصا جهة العيون الساقية الحمراء، والتي كانت خير سفير لتقدم المنطقة نحو الازدهار والاستقرار، وهو الأمر الذي يعود فيه الفضل لرجل وطني من طينة الكبار، رجل خبر الصحراء وعشقها مغربية لا غير،، إنه الحاج مولاي حمدي ولد الرشيد رجل حمل على عاتقه الدفاع عن مغربيتها منذ اليوم الأول، رجل عايش الاستعمار الإسباني وتأسيس البوليساريو، وكان واضحا في رفض الانشقاق عن المملكة، وانكار البيعة للأسرة العلوية، رجل أعطى دروسًا في التدبير، التسويق، والمرافعة بالملموس عن مغربية هذا الجزء من الوطن.

 

رجل ينتمي لأكبر قبيلة بالصحراء، رجل استطاع في ظرف ليس بالوجيز تحقيق الالتفاف من حوله، مشكلًا طوقًا سياسيًا فريدًا بجميع القبائل، وكيف لا وهو الذي لم يترك أي مكون من قبائل الصحراء دون اشراكه في تدبير إقليمه.

 

رجل يجتمع حوله اليوم أكثر مِمن يهاجمه، وينتقده، فقد حقق ما لم يستطع أبناء عمومته ورفاقه ذات يوم تحقيقه بأرض اللجوء، واليوم لم يبقى لدي المملكة أي مبرر لتأخير التنزيل، وهو الأمر الذي أصبح أكثر إلحاحا من ذي قبل.

 

ولعل المهرجانيين الخطابين بمناسبة زيارة نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال للعيون سنة 2018، والذي حضره أكثر من 50 ألف مناضل من أقاليم الجهة، والمهرجان الخطابي الذي جاء بشكل فجائي بعد القرار الرئاسي الأمريكي، المقر والمعترف بمغربية الصحراء وسيادته على كل أراضيه، وهو المهرجان الذي حضره أكثر من 30 ألف مناضل، رغم أن الدعوة والاستعداد له كانت في ظرف أقل من 48 ساعة، هما ما يبين بشكل واضح قيمة الرجل لدى مناضلي حزب الاستقلال بالجهة، وكذلك لدي جميع المواطنين؛ وهي قيمة بنيت على الثقة الكبيرة التي يحظى بها من طرف ساكنة الجهة، وجميع أقاليم هذه الربوع، بالإضافة إلى مكانة الرجل التي اكتبسها وكسب بها ثقة المغاربة.

 

إن نجاح النموذج التنموي المحلي، له انعكاس على الأرض، لا تخطاه العين المجردة، كما أن جزءًا كبيرًا من نجاح ديبلوماسية المغرب في قضية الصحراء؛ يعود في جزء كبير منه إلى التدبير الجهوي والمحلي لقضايا المنطقة.

 

وبالتحديد، فإن البنية التحتية لمدن الصحراء، خصوصًا مدينة العيون، أصبحت مرآةً تعكس جدية الطرح المغربي في الصحراء، والذي لم يعد ينقصه سوى تنزيل الحل البراغماتي المتمثل في الحكم الذاتي.

 

هذا النجاح السياسي والبنيوي في العيون، والذي قاد ورشه رئيس جماعة العيون، حمدي ولد الرشيد؛ يأتي بعد 14 سنة، تحديدًا بعد أحداث مخيم أكديم إزيك، التي قيل حينها أن العيون عادت القهقرى ولن تعود إلى مسارها التنموي.

 

وتحقق ذلك جاء بعد إشراك العنصر الصحراوي في تدبير شؤونه وبإشراكه المباشر في معالجة قضية الصحراء، والذي تجلى في مشاركة رئيس جهة العيون، حمدي ولد الرشيد، في المفاوضات الأخيرة بين المغرب والبوليساريو بجنيف، والتي أعطت إنعكاسًا لشرعية المنتخبين الصحراويين في تمثيل الساكنة دوليًا.

 

إن التنزيل الكامل للمبادرة المغربية للحكم الذاتي المقدمة في عام 2007، هي الخيار الوحيد، والذي يجب على الرباط تنفيذها.

 

فمنذ أن استعاد المغرب أقاليمه الجنوبية، تم ضمان آفاق التقدم للسكان التي يراها العدو قبل الصديق، وهي قضية أخرى توضح ضرورة تنزيل الحكم الذاتي، لا سيما بعد فتح 18 قنصلية بالصحراء.

 

تنزيل الحكم الذاتي، هو الضامن الاستقرار في أقاليم الصحراء، فكل شروطه على الأرض، من احترام الهوية الصحراوية، إلى التمثيل الديبلوماسي، فالتيسير الناجح للشؤون المحلية، كما أنها قطب جذاب للاقتصاد والسياحة، وكذلك التنمية البشرية المستدامة.

 

اليوم في نشوة هذه الانتصارات الباهرة، نقول نعم للحكم الذاتي، نعم لتطبيقه وتنزيله، اليوم قبل الغد، وإلا سنندم يوما لا ينفع معه الندم، فهل بعد كل هذا التقدم، طريقنا نحوه لا زال طويلًا، وذلك ما يفنده الواقع، أم أنه يطول بفعل فاعل؟.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد